في نهاية شهر نوفمبر الماضي، انطلق من ساحل شمال فرنسا قارب على متنه أكثر من 30 مهاجراً يبحثون عن حياة أفضل في المملكة المتحدة. لكن أحلام الركاب تبددت بعد أن أصبحت مياه القناة الإنجليزية أعتى من أن يتحملها قاربهم الضعيف. ولقي منهم 27 شخصاً حتفَهم.

وفي الأيام التي أعقبت الحادث، احتدمت التوترات الدبلوماسية بين البلدين، وانخرط رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سجال بشأن المسؤول عما حدث. والمأساة أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها فرنسا والمملكة المتحدة تحدي الهجرة.

فقد كافحت الدولتان الجارتان منذ فترة طويلةً لإنشاء إطار قانوني دائم وفعال لمعالجة المشكلة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) يمثل فيما يبدو تحدياً إضافياً أمام سعي البلدين للتوصل إلى حلول جديدة. ولطالما اُعتبرت المملكة المتحدة مقصداً جذاباً للمهاجرين لأسباب اقتصادية ولطالبي اللجوء، سواء أكان ذلك بغرض الانضمام إلى الأسرة أم للبحث عن فرص اقتصادية أم للهروب من أزمة.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وصل نازحون إلى شمال فرنسا، وخاصة مدينة كاليه الساحلية، في محاولة لعبور القناة. وحاول المهاجرون الاختباء في الشاحنات والتشبث بالقطارات، لكن الحكومة البريطانية طورت سياجاً شديد الحراسة ووضعت كاميرات أمنية لحماية الموانئ ونفق «يورو تانل». ويدفع المهاجرون الآن للمهربين أموالاً لنقلهم عبر القناة في قوارب صغيرة.

وفي عام 2021 وحده، قطع أكثر من 25700 شخص رحلة طولها 21 ميلاً بالقوارب، أي ثلاثة أضعاف العدد الذي قطع الرحلة خلال العام السابق. عندما انتهت الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 ديسمبر 2020، انتهى معها أيضاً التزامها بـ«لائحة دبلن» التي حددت شروطاً لإعادة طالبي اللجوء إلى دول آمنة في الاتحاد الأوروبي انطلقوا منها. لكن الآن، يصبح أي طالب لجوء انطلق من فرنسا «عالقاً» بعد وصوله إلى المملكة المتحدة، طالما أن البلدين ليس لديهما إطار قانوني متفق عليه لإعادتهم. وتصبح الأمور أكثر تعقيداً بسبب مشروع قانون الجنسية والحدود الذي اقترحته المملكة المتحدة والذي يرى منتقدون أنه يعاقب اللاجئين الذين يطلبون اللجوء في المملكة المتحدة.

وأولئك الذين يتم اكتشاف دخولهم البلادَ بشكل غير قانوني قد يواجهون عقوبةَ سجن تصل أربع سنوات بموجب الإجراءات الجديدة. وفي الوقت نفسه، تجد الحكومة الفرنسية صعوبةً في معالجة طلبات اللجوء. فقد تلقَّت فرنسا أكثر من 80 ألف طلب لجوء في عام 2020.. ومعالجة هذه الطلبات قد تستغرق سنوات في بعض الحالات ولا يوجد ما يكفي من المساكن المؤقتة.

ويرى بول سميث، أستاذ السياسة الفرنسية في جامعة نوتنجهام، أن «الحكومة البريطانية فاقمت صعوبةَ دخول المملكة المتحدة أمام المهاجرين، ولذا فهم يقْدمون على مخاطر أكبر. وفي الوقت ذاته، فإن القانون لا يلزم الفرنسيين بالاحتفاظ بالمهاجرين. لكن في النهاية، يريد الأشخاص الذين غادروا فرنسا البقاء في بريطانيا». واتهمت فرنسا المملكة المتحدة بتصعيد القضية. لكنها لم تكن النقطة الشائكة الوحيدة في مفاوضات ما بعد بريكسيت. فقد كانت هناك خلافات بين الحكومتين حول تراخيص الصيد في المياه المشتركة وأيضاً الاتفاقيات التجارية مع أيرلندا الشمالية.

ويعتقد كريستيان ليكيسن، الخبير في السياسة الفرنسية وسياسة الاتحاد الأوروبي في معهد الدراسات السياسية في باريس، أنه للمضي قدماً نحو حسم جميع هذه القضايا، يتعين على المملكة المتحدة الحفاظ على علاقات وثيقة مع أوروبا بعد بريكسيت، «وهو بالضبط ما لا يريده جونسون». وهذا يمثل تحدياً بشكل خاص في وقت يركز فيه القادة على جانبي القناة على أمور أخرى. فجونسون يسعى جاهداً لاحتواء حالات «كوفيد-19» التي حطمت الرقم القياسي.

وماكرون مشغول بدوره الجديد كرئيس دوري للاتحاد الأوروبي وبحملته الانتخابية من أجل ترشيحه الرئاسي القادم. ويتوقع سميث أن ماكرون سيسمح بتخفيف حدة الأزمة الحالية قبل اقتراح تدابير جديدة. لكن الجانب الإنساني للهجرة سيدفع حتماً القضية إلى صدارة جدول أعمال في كلا البلدين. ويؤكد ليكيسن أن مشكلة «الهجرة قد تكون لها عواقب مأساوية، مما يجعلها أكثر حساسيةً بكثير من حقوق الصيد أو الحروب التجارية. فلا يمكن أن تتجاهل المملكة المتحدة ما يحدث في أوروبا بعد بريكسيت. وتتعين عليها إدارة السياسات العامة والعثور على وسائل للتعاون».

*مراسلة «كريستيان ساينس مونيتور» في  باريس

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»